ولد "مروان" بحاسة سمع خارقة.. من مضجعه، كان يسمع دبيب النمل وسقوط الندى.. يميّز الأصوات وأصحابها واتجاهاتها على بعد فراسخ.. اشتهر بهذه الحاسة في حيّهم الفقير منذ صغره.. تسامع الناس به واختبروه.. رفع أحد أعوان السلطة أمره إلى الحاكم، فاستدعاه فورا، واختبره بحضور بطانته بمن فيهم مفتي الديار.. أمر مدير ديوانه بالنزول إلى قبو دار الحكومة، وتسجيل كلامه على شريط، وطلب من "مروان" ترديد ما سمعه من المدير المتواجد في القبو.. وسجل كلامه على شريط أيضا.. واستمع إلى الشريطين، فصعق من هول المفاجأة.. فكما كان المدير يأخذ نفسه في الكلام، كان مروان يفعل..
أعاد المدير اختبار مروان عدة مرات، وبعد التأكد من هذه الحاسة الخارقة عند الولد سأله:
- هل يسكنك جنّي يا ولد؟!
أجاب "مروان":
- لا يا سيدي..
توجس الحاكم من الولد خيفة، وفكر في صبّ الرصاص المذاب في أذنيه، لكن أحد معاونيه نبّهه إلى استثمار الولد في التجسس على "الأعداء" داخل البلاد.. استفتوا مفتي الديار، فأفتى بجواز ذلك للحاكم.. تخلى الحاكم عن فكرته ووافق على فكرة معاونه..
أخذوا "مروان" إلى مكان قريب من منزل مشبوه لأحد معارضي الحاكم، وأمروه بالتصنّت على اجتماع سري لهذا المعارض ورفاقه.. ألقى المعارض كلمة وجيزة في رفاقه بصوت واطئ، وختمها بسؤال:
" متى تهبّ عليكم نسائم الياسمين والفلّ وشقائق النعمان؟؟".
في الطرف الآخر، سألوا "مروان":
- ماذا قال الوغد؟؟.
ردّ عليهم:
- قال " متى نقوم برحلة إلى أرض أنبتت الياسمين والفلّ...".
قاطعوه:
- وماذا قال أيضا؟؟
- إنه الآن يتحدث عن "شقائق النعمان" التي نبتت على قبر "النعمان بن المنذر" في الحير بالشام..
قالوا له:
- أنت تكذب.
ردّ ببراءة:
- والله ما أنا بكاذب..
قالوا له:
- أنت متواطئ معهم..
ردّ باكيا هذه المرّة:
- كيف أتواطأ معهم وأنا لا أعرفهم؟!
أعادوه إلى دار الحكومة، ومَثـل أمام الحاكم.. تأمّله مليّا وقال لمعاونه:
- نَفِّذ أمري في هذا الولد.